رام الله-فتح برس
قد يكون امر التصديق بأنه قد حان الوقت للحديث مع حماس بمنزلة 'موضة' بالنسبة للبعض في واشنطن او حتى في تل ابيب. لكن بالنسبة لاعضاء من فتح وبعض الفلسطينيين المستقلين في الضفة الغربية من الذين كنت التقيهم، فانه من المؤكد ان الوقت لم يحن بعد. فما تسمعه منهم هو ان حماس عبارة عن مجموعة يريدون ان يكونوا جزءا من امبراطورية اسلامية اوسع، ويحاولون احضار ايران الى غزة، اسوأ شيء يمكن القيام به الآن هو مكافأة حماس بالاعتراف بها.
لذلك، انت تسمع ايضا انتقادا موجها للسعوديين الذين يضغطون على محمود عباس لاجل المصالحة مع حماس وصياغة حكومة وحدة وطنية جديدة. بالواقع، لقد صدمت بسبب الاجماع على ان محادثات التسوية التي يدفع السعوديون والمصريون باتجاهها - ويستحسنها قادة حماس مثل اسماعيل هنية - لن تغير سلوك الحركة. وبدلا من ذلك، تمضي الرواية، فان حماس ستستخدم تلك المحادثات كتكتيك لمحاولة بناء مقبوليتها الدولية. اما الاسوأ منذ ذلك، فهو ان حماس ستستخدم حكومة وحدة وطنية جديدة لتصبح اكثر فاعلية في الضفة الغربية مما فعلته الان في غزة.
هذه تعابير قوية، لكن هل ان فتح مستعدة للتنافس؟ هل بامكانها التواصل مجددا مع الشعب الفلسطيني؟ هل بامكان اعضائها الاعتراف بأنفسهم وبناء قاعدة مجتمع محلي قوي بحيث يتغير توازن القوى بين حماس وفتح: (هذه المنافسة قد تؤثر ايضا على التوازن داخل حماس بين من هم اكثر براغماتية والاكثر تطرفا). حماس وداخل حماس؟
خيار الفلسطينيين
انصت الى الفلسطينيين من فئات مختلفة، مثل ابو خولي، وهو عضو مجلس فلسطيني من غزة، او حسين الشيخ، عضو التنظيم من الضفة الغربية، ستسمع بأن فتح ليس لديها خيار. وسوف يخبرانك بأن الشعب الفلسطيني علماني بالاساس ويريد مستقبلا وطنيا وعلمانيا. اما موقع حماس ضمن المجتمع الفلسطيني، فقد نما بسبب العجز والتقصير. ولا يزال الشعب الفلسطيني منحازا لفتح اكثر منه منجذبا الى حماس لكن بالنسبة للخولي وللشيخ واخرين، لم يضع كل شيء وأن فتح لا يزال بامكانها استعادة موقعها داخل المجتمع الفلسطيني.
وللقيام بذلك هناك اشياء عديدة مطلوبة. اولا، يجب ان يكون لدى فتح قادة جدد، فإذا كان هناك من عبارة واحدة سمعتها اكثر من اي واحدة اخرى فهي بأنه 'يجب ان يكون في فتح وجوه جديدة'. ولم يكن احد يعني بقوله هذا بأن مظهرا خادعا بسيطا سوف يفي بالغرض. بل ان الشعب الفسلطيني لن يصدق مطلقا أن فتح قد اعادت صنع نفسها اذا ما قام الاشخاص أنفسهم بقيادة فتح وبشكل مثير للاهتمام وجدت دعما كبيرا لسلام فياض الذي هو رئيس للوزراء ووزير للخارجية ووزير للمالية في حكومة الطوارئ الجديدة للسلطة الفلسطينية. انه ليس عضوا في فتح لكن اصراره على خلق مؤسسات جديدة في السلطة الفلسطينية سوف يبني في النهاية مصداقية للسلطة الفلسطينية وامتدادا مصداقية لفتح ايضا.
ثانيا، يجب ان تبدو فتح بأنها تفي بوعودها فما يهم اكثر من اي شيء اخر هو الاداء والافعال وليس فقط الكلمات فالوجوه الجديدة في فتح تمثل نقطة بداية ليس الا ويجب ان ينظر الى فتح والسلطة الفلسطينية على انهما نشيطان على المستوى المحلي وأنهما متجاوبان اجتماعيا واقتصاديا وكونهم متجاوبين يعني ايضا وضع حد للفساد واعادة ترسيخ ليس فقط سيادة القانون وانما الشعور بالامن لدى الفلسطينيين. ومن المثير للاهتمام أن تكون حماس تحاول الان تقديم نفسها في غزة محافظة على القانون والنظام، اذ يحاول فياض بشكل واضح القيام بالشيء نفسه في الضفة الغربية. وقد شاهدت عددا غير مسبوق من القوى الامنية المسلحة بشدة في البزات العسكرية على الارض في رام الله. كما اخبرني فياض بأن هذا الامر مدروس ومتعمد انه يحاول اثبات الوجود في كل مدينة لاظهار ان السلطة الفلسطينية تقوم باعداد تثبيت النظام فهل سيتم نزع سلاح الميليشيات المسلحة وكتائب شهداء الاقصى ام انه سيتم دمجهم بطريقة منضبطة في القوى الامنية؟ يبقى هذا سؤالا كبيرا، لكن فياض يحاول، على الاقل، اصدار مرسوم نزع السلاح وهو شيء اخر غير الوعود الفارغة. والزمن سيخبرنا ما اذا كان بامكانه الوفاء بما يحاول القيام به لكنني وجدت دعما كبيرا لجهوده وسط التنظيم الذي التقيت به.
رغبة في التغيير
ثالثا، هناك حاجة للشعور بامكان سلام مع اسرائيل. فعملية السلام مفاوضات حوار والوعد بتغييرات على الارض كلها امور ستعني الكثير وبشكل مثير للسخرية لم اجد بين الفلسطينيين الذين تكلمت معهم - والعدد الآن هو فوق ال 40 في زيارتي الاخيرتين الى هنا في الاسابيع الستة الماضية - من يريد رفع سقف التوقعات الخاطئة فلا احد يتوقع اختراقا عاجلا او قرارا ما حول قضايا الوضع الدائم.
وبالطبع هذا قد يكون مستحسنا لكن ما شاهدته كان رغبة في تغييرات حقيقية وليست وهمية فالتغييرات اظهرت بأن الحياة اليومية بالنسبة للقدرة على التحرك اقتصاديا وعملانيا ستتحول. ان تغييرات كهذه ستجعل مفاوضات الوضع الدائم اكثر قابلية للتصديق، فالوضع الدائم المنفصل عن وقائع الحياة اليومية لن تكون له مصداقية فالفلسطينيون سوف يسألوننني: 'اذا كنت لا استطيع الذهاب من نابلس الى جنين فهل يفترض بي ان اصدق أنه ستكون لدي دولة عاصمتها القدس الشرقية؟' هذا هو السبب الذي لاجله تعتبر اي عملية امنية وسياسية مرتبطة بعضها ببعض في النهاية بشكل حتمي.
الرهان على المستقبل
كل هذه دروس لصناع فن الحكم الاميركيين الان. علينا ان نبقي نظرنا على الهدف، فالسؤال الاساسي الآن هو ما اذا كان الفلسطينيون سيحصلون على مستقبل علماني او على مستقبل اسلامي. ان رهاناتنا على مستقبل وطني عماني للفلسطينيين واضحةجدا فمن دون ذلك لن تكون هناك فرصة للسلام وسوف يسيطر الاسلاميون على القضية الاكثر اثارة للذكريات في المنطقة. علينا ان نسوي هذه النقطة بهدوء مع السعوديين. فالدفع الآن باتجاه حكومة وحدة وطنية لن يؤدي سوى الى تعزيز حماس، وان نجاح حماس على المدى الطويل سيعني بأن ايران ستكون قادرة على استخدام الظلم الفلسطيني والصراع الجاري كأداة لابقاء السعوديين واخرين في حالة دفاع. اما بما يتخطى ذلك والتحدي الاساسي سيكون كيفية ضمان نجاح فتح ففي حين ان كثيرين في فتح يدركون الرهانات وما هو ضروري فإن الدعوة لوجوه جديدة في فتح تعني بأنه سيكون على الوجوه القديمة ان تستعد للتنحي جانبا وليس هناك اشارات تدل على أنهم مستعدون للتنفيذ، فهل عباس مستعد لدفعهم الى ذلك؟!هذا سيكون خلاف طبيعته، لكن ليس هناك من بديل. كما ان دورنا ودور طوني بلير، المبعوث الجديد للشرق الاوسط، سيتطلبان دفعا مستمرا وثابتا بهذا الخصوص. لكن ليس بامكاننا القيام فقط بالدفع، علينا ايضا ان نفي بالتزاماتنا بتقديم موارد حقيقية.
واذا كان هناك من تراجع آخر سمعته من الفلسطينيين، فقد كان 'لا تحرجوا عباس وفياض، الا اذا كنتم ستفون بعروض جيدة لهم'. ان دعمهم بعبارات سيؤدي الى تدمير مصداقيتهم، ان لم نف ايضا بتقديم مساعدات لافتة تؤدي، على الاقل، الى تحسين الوضع الاقتصادي على الارض. فالنتائج على الارض والآمال الحقيقية ستساعد فتح. اما وزيرة الخارجية كونداليسا رايس، فستفعل حسنا بابقاء هذا الامر في ذهنها.
فحدوث عملية تفاضو موثوقة شيء، كما ان حصول حدث رمزي كمؤتمر دولي حيث الخطابات المتشددة لا تؤدي سوى الى الاضاءة على الفرصة الضئيلة لحدوث اتفاق ما، وحيث ليس هناك من امكان لمؤتمر عملاني يعقبه، هو شيء آخر. فالفلسطينيون لا يتطلعون الآن الى رموز. فهم يعلمون الفرق بين الرموز والواقع. دعونا نأمل بأن تكون ادارة بوش كذلك ايضا.
* المبعوث السابق للسلام في الشرق الاوسط